مجلس الأمة
نسخة للطباعة

الحسين بن طلال
خطاب العرش
فــــي
افتتاح الدورة العادية الخامسة
لمجلس الأمة الأردني العاشر



في يوم السبت
الواقع في 17 صفر 1408 هجرية
الموافق 10 تشرين أول 1987 ميلادية

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

بسم الله الرحمن الرحيم، القوي العزيز، أفتتح هذه الدورة العادية لمجلسكم الموقر، محييا - في مطلعها - كل أخ من أعضائه أحسن تحية، معربا لكم جميعا عن بالغ ثقتي بكم، وعميق تقديري لما حققتم من انجازات، ولما لمسته فيكم من حس المسؤولية الواعية، ومراعاة المصلحة العامة التي نحرص عليها جميعا بسلطاتنا الثلاث : التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.

لقد كنتم في مناقشاتكم  للقوانين - التي احالتها حكومتي على مجلسكم الكريم، في دورتيه العادية والاستثنائية - مثالا وقدوة في تثبيت أسس الشورى بين السلطتين : التشريعية والتنفيذية، وكنتم رمزا للتعاون المثمر والجهد المشترك الذي تحققت من خلاله منجزات النهضة والتنمية والبناء لشعبنا الأردني العزيز، انسجاما مع مبادىء سياستنا في الحكم، الرامية الى ترسيخ الحياة الكريمة، والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، لأبناء هذا الوطـن الغالـي، بتوفير الحكم المستقر، والخطط السليمة، والشورى المؤصلة، والهدف الواضح.

ان اسـرتنا الأردنية الواحـدة التي تمثلونها، لتعتز معـي، بانجازاتكم، وتقدر جهودكم المتواصلة، في اقرار التشاريع التي نظمت سير العمل في مجتمعنا، وربطت مصالح الأفراد الشخصية بالمصلحة العامة.

وانه لمما يدعو الى التفاؤل والاطمئنان أن نرى الحكومة قد عملت جاهدة على تحقيق الأهداف والمبادىء التي ركزنا عليها في كتاب التكليف، الذي عهدنا الى حكومتنا هذه فيه بتحمل المسؤولية، ووضحناها في مرتكزات خطب العرش في افتتاح الدورات العادية في السنتين الماضيتين، مما بعث في نفسي الرضى والاستبشار بان المسؤول في هذا البلد، الذي نوليه ثقتنا وينال ثقتكم، يعمل عملا جادا متواصلا مرتفعا به الى مستوى المسؤولية، لاسعاد المواطنين وتقدم الوطن وازدهاره.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان تعزيز الأمن والاستقرار، وتوفير الطمأنينة للمواطنين، وحمايتهم من الأخطار الداخلية والخارجية، ركائز ثابتة لسياسة حكومتي، ستظل تعمل على ترسيخها وتثبيت دعائمها دون كلل. فالأمن والأمان هما في المقام الأول حـق دستوري انساني لأبناء هذا الشعب الوفي الذي نذرنا انفسنا لخدمته، وهما ايضا الصخرة الصلبة التي يرتفع عليها بنيان المجتمع رخاء وازدهارا، وتتحقق فـي ظل سلطانهما التنمية الشاملة التي نطمح الى تحقيقها، وفاء بالأمانة التي نحملها وخدمة لأجيالنا المقبلة، أمل أمتنا ومستقبلها المشرق بمشيئة الله.

ومن هذا المنطلق، فان حكومتي لن تدخر جهدا ولا وقتا، في سبيل تأمين جميع وسائل الدعم الممكنة لقواتنا الهاشمية العربية المسلحة، حماة الوطن، وسياجه، وحاملة راية النهضة العربية الكبرى، وهي التي تقف على أطول خط من خطوط المواجهة، سدا منيعا يحمي منجزاتنا، ويدرأ عن امتنا العربية الخطر. وستواصل حكومتي امداد قواتنا الباسلة بكل ما يمكن من أسباب القوة والمنعة، تدريبا وتسليحا وتزويدا بأحدث المهمات من مختلف المصادر. كما ستستمر الجهود في تدريب الجيش الشعبي وتأهيله، ليكون كما اردناه رديفا صلبا للقوات المسلحة في تعزيز الأمن الوطني دفاعا عن ارضنا الطهور، مؤسسة تجمع الأجيال في أبهى صورة للتلاحم بين أبناء الوطن.

وستستمر حكومتي في العمل على تأمين الجبهة الداخلية متماسكة صلبة، بحيث يكون المواطن مطمئنا على كرامته وحياته وما يملك، فالمواطن الآمن الحر هو المواطن الذي يبني ويشيد، وهو المواطن الصالح الذي نريد، ليدفع مسيرتنا نحو الأفضل والأمثل. وستبذل حكومتي جهدا متصلا في هذه السبيل، بامداد أجهزة الأمــــن المختلفة بالتجهيزات المتطورة والنظم المتقدمة لمواصلة رسالتها فــي حماية المواطن الذي هو الأساس في كل ما ننهض به من أعمال، وتأكيد سيادة القانون في كل منحى من مناحي حياتنا.

ومن اجل ذلك حرصت حكومتي على مبدأ استقلال السلطة القضائية، وتمتعها بالحصانة اللازمة لاداء رسالتها في ارساء قواعد الحق، ونشر العدالة بين المواطنين. واستمرت في بذل الجهود لتحديث التشريعات بما يساير التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي وصلت اليه المملكة. وحرصا منها على تبيسط اجراءات التقاضي بين المواطنين، والفصل في قضاياهم، والسرعة في انجازها، فقد تم وضع مشروع قانون لأصول المحاكمات المدنية، يهدف الى اختصار اجراءات المحاكمات وتقصير أمدها. وتم وضع مشروع قانون محكمة العدل العليا، ومشروع قانون معدل لقانون العقوبات، ومشروع قانون المعهد القضائي الذي يهدف الى تخريج عدد من المؤهلين لتسلم المراكز القضائية على أسس من المقدرة والتنافس النزيه. وستعرض الحكومة مشاريع القوانين المشار اليها على مجلسكم الكريم في هذه الدورة العادية.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

لقد استطاع الاردن بعون الله أن يحقق نقلات نوعية حضارية في العديد من مناحي الخدمات الاجتماعية، المتصلة بمعيشة الانسان وحقه في الحياة الحرة الكريمة، واصبح اليوم في مقدمة الدول التي في مرحلته التنموية ويتأهب للدخول في مرتبة جديدة في التصنيف الدولي وتأكيدا لذلك  وتثبيتا له فقد استمرت الحكومة في تركيز اهتمامها على تهيئة المواطن جسديا وعقليا وروحيا وثقافيا، حتى يتمكن من مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية، ومتطلبات التنمية الشاملة.

فتوالي حكومتي نشر المؤسسات التعليمية المختلفة في جميع مناطق المملكة، ويجري العمل الآن في بناء (115) مئة وخمس عشرة مدرســـة فـــي المحافظات المختلفة وانتهى اعداد الدراسات والتصاميم لبناء (165) مئة وخمس وستين مدرسة جديدة خلال السنوات القادمة. وتم اصدار قانون الجامعات الاردنية للتنسيق بين الجامعات في القضايا الأساسية المشتركة، وأصدرت الحكومة نظام الترخيص والاعتماد لكليات المجتمع والمعاهد لرفع مستواها وتمكينها من تحقيق اهدافها باعداد الفنيين المتوسطين المدربين تدريبا عاليا ولاقامة الجسور بينها وبين الجامعات الأردنية.

وقد بدأت حكومتي باعادة النظر في العملية التربوية والتعليمية لتطوير سياسة شاملة متكاملة تكفل تحديث برامج التعليم ومناهجه على كل مستوياته لتماشي المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والاحتياجات الآنية والمستقبلية لسوق العمل... وقد أسندت الى أخي وولي عهدي صاحب السمو الملكي الأمير حسن شرف حمل هذه الأمانة، فلم يأل جهدا في سبيل النهوض بها ومتابعتها، ونأمل أن تتحقق الغايات المنشودة منها قريبا - باذن الله تعالى-.

وكذلك أقرت الحكومة العديد من التوصيات الكفيلة بالحد من الاختلالات الهيكلية في سوق العمل، ولا سيما تلك المتصلة منها بالتدريب المهني والتأهيل الحرفي، والتوصيات الكفيلة بتقوية نظم المعلومات والبيانات الاحصائية عن سوق العمل، وتوزيع التخصصات بين كليات المجتمع والمعاهد الحكومية والخاصة، حسب متطلبات خطة التنمية وادخال برامج اعادة تأهيل المهندسين الخريجين من بعض الجامعات غير الأردنية والاستفادة من فرص العمل المتاحة في الخارج، والتركيز على برامج الاعلام التربوي الهادفة تجاه بعض أنواع العمل، وخاصة اليدوية الهادفة الى تصويب المفاهيم الاجتماعية السائدة في المجتمع تجاه بعض أنواع العمل، وخاصة اليدوية منها.

ولم تغفل الحكومة الشريحة الأقل حظا في المجتمع فعمدت الى التوسع في المؤسسات الاجتماعية الايوائية والتأهيلية المتخصصة لرعاية المواطنين من مختلف الأعمار وأنواع العوائق، وتأهيلهم، ليصبحوا أعضاء منتجين فاعلين في المجتمع. وبعد أن باشر صندوق المعونة الوطنية أعماله، توسعت مظلة المستفيدين  وارتفعت برامج التأهيل والمعونة ستة اضعاف على ما كانت عليه قبل انشائه.

ولما كان شبابنا عماد الوطن وعدة المستقبل فقد أولت الحكومة رعاية الشباب وبناء الأجيال الصاعدة جل عنايتها لتتفاعل مع الأهداف والتطلعات، وتستطيع حمل مسؤولياتها بهمة وتفان، وبعد أن صدر قانون رعاية الشباب وضعت حكومتي الأنظمة والتعليمات التي تنظم شؤون الاتحادات الرياضية والأندية ومراكز الشباب. وقد نشطت المشاركة الأردنية في الألعاب العربية والدولية، وبوشر العمل في مدينة الحسن للشباب في اربد وفي مجمعات رياضية تؤلف شبكة متكاملة من المنشآت الرياضية تخدم مختلف المحافظات.

وبعد أقر مجلسكم الكريم قانون الوعظ والارشاد بدأت في تنظيم اساليب الوعاظ في مخاطبة الجمهور واتباع اسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، ومنهج الاعتدال والوسطية. كما تم انجاز بناء العديد من المساجد في الضفتين الشرقية والغربية، وتخصيص المبالغ اللازمة لاكمال اصلاح المسجد الأقصى المبارك، واعادة اعمار مسجد الصخرة المشرفة، وانجاز المخططات الخاصة بتطوير مساجد الصحابة الكرام وكذلك بوشر العمل في المرحلة الأولى من بناء دار الأيتام الاسلامية في عمان.

وتولي حكومتي السياحة الداخلية والوافدة اهتماما خاصا، نظرا لاهمية هذا القطاع في رفد ميزان المدفوعات، وبسبب توافر مقومات السياحة الطبيعية والتاريخية والعلاجية والثقافية والترويحية في المملكة. وقد بدأت اللجنة العليا لتنشيط السياحة - التي تضم الفعاليات الرسمية الخاصة والمؤسسات الاستثمارية المعنية بهذا القطاع - بوضع استراتيجية شاملة لتطوير القطاع تطويرا جذريا، ادخال آفاق استثمارية جديدة بعد أن وضعت الحكومة عددا من الحوافز التشجيعية للمستثمرين الأردنيين وغير الأردنيين، والرحلات السياحة الجماعية، وسيتم التركيز في المرحلة القادمة على المواقع المميزة، القادرة على اجتذاب السياح، واطالة مدة اقامتهم كمرتفعات الشمال، وجرش، والبحر الميت، وبترا، ووادي رم، والعقبة.

وتوجهت حكومتي ايضا الىتنظيم الأطر المؤسسية الصحية، فتمكنت - بعد أن أقر مجلسكم الموقر قانون المؤسسة الطبية العلاجية - من توحيد الطب العلاجي في مؤسسة تضم المستشفيات الحكومية، ومستشفيات الخدمات الطبية الملكية، ومستشفيات الجامعات، وتديرها لتوفير خدمة طبية متساوية للجميع بفتح مستشفيات المملكة كلها أمام المواطنين، ولتلافي الازدواجية وتوفير النفقات وتحسين الأداء. وعملت الحكومة على تعديل نظام التأمين الصحي المدني بما يؤمن خدمات أوسع للمشمولين به، وقد تم بناء (9) تسعة مراكز صحية في المحافظات المختلفة خلال هذا العام، وبدأ العمل في بناء عشرين مركزا صحيا جديدا موزعا على جميع أنحاء المملكة. وباشر مستشفى عجلون الحكومي أعماله لخدمة أبناء المنطقة كما بدأ مستشفى الأمراض النفسية في الفحيص بأعماله. بالاضافة الى افتتاح المستشفيات الجديدة في غور الصافي والشونة الجنوبية والرويشد. وقد بدأ العمل في في بناء مستشفى الطفيلة، وتجري الاستعدادات لبناء مستشفى جديد في الكرك، ومستشفى الملك عبدالله في اربد، ومستشفى الأمير حمزة في عمان، وزيادة المراكز الصحية في المناطق المختلفة، وكليات التمريض ومعاهد المهن الطبية المساعدة.

وكان لتنظيم الحكم المحلي وتطويره وتحديثه مكان بارز في أولويات حكومتي، فقد اتخذت العديد من القرارات تحملت بموجبها الخزينة عبئا ماليا كبيرا في سبيل تقوية المركز المالي للمجالس البلدية والقروية، وجدولة قروضها وامدتها بقروض جديدة، وأخذت عنها الكثير من مسؤولياتها في بناء المدارس والطرق النافذة والاستملاكات. كل ذلك لتحسين اداء المجالس المحلية، وتمكينها من تقديم الخدمات لمواطنيها على وجه أفضل.

وعملت حكومتي على وضع خطـة تنموية خاصـة بكل مجلس محلي، للسنوات الثلاث القادمة، يلتزم بتنفيذها، وتعمل على اعطاء دور أكثر فاعلية للأقاليم والمجالس البلدية والقروية في تنفيذ مشروعات الخطط الاقليمية. وتجري الدراسات حاليا لوضع خطة تنموية شاملة لمنطقة البادية الأردنية بهدف الاستفادة المثلى من هذه المنطقـة الكبيرة المهمـة من الوطن ورفع مستوى ساكنيها. كما تم تشكيل أمانة عمان الكبرى - بناء على موافقـة مجلسكم الكريم - لتحقيق التكامل بين البلديات المحيطـة بالعاصمـة وتلافي الازدواجية وتوزيع الخدمات بينها بالنسق والعدالة المطلوبين.

ولما كان مسكن الانسان ومأكله ركنين أساسيين من أركان القطاعات الاجتماعية الخدمية، استمرت الحكومة في تنفيذ مشروعات اسكان ذوي الدخل المحدود، والاســكان الوظيفي، ومشاريع التطوير الحضري، في انحاء المملكة. كما تحملت عبئا ماليا كبيرا في سبيل تسهيل الشروط الخاصة بتمليك الوحدات السكنية في مشروع اسكان أبو نصير، مما مكن المواطنين من شراء الوحدات كلها في تلك المدينة. وقد انتهت حكومتي من وضع استراتيجية شاملة للاسكان، تغطي الاحتياجات الاسكانية الطويلة الأمد وتوزيعهاتها الجغرافية، وبرامج تنفيذها، وتطوير الأطر المؤسسية الخاصة بالاسكان.

كما واصلت الحكومة انتهاج سياسة تموينية كفيلة بتأمين الاحتياجات التموينية الأساسية للمواطنين باسعار مستقرة، محافظة على مخزون استراتيجي كاف من تلك السلع الأساسية.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان البنى الأساسية للاقتصاد الوطني ذات أهمية تضارع أهمية الخدمات الاجتماعية، فهي كلها ترتبط ارتباطا محكما بالنوعية الكريمة للحياة الحضارية للانسان، وهي ايضا تهييء الاساس المتين للبنيان برمته، وتشكل الشبكة المتكاملة للهياكل الانتاجية.

ففي مجال النقل، واصلت الحكومة عمليات بناء شبكات الطرق الرئيسية والثانوية التي تربط مواقع الانتاج لمواقع الاستهلاك والتصدير، من شمال المملكة حتى جنوبها مرورا بأغوارها وجعلت للمقاول المحلي أفضلية في تنفيذ المشروعات الانشائية، وأمدته بقانون المقاولات الأردنية لتنظيم مهنته والارتقاء بها، وبنظام الأشغال الحكومية الذي توحدت بموجبه العطاءات الحكومية في جهة واحدة. وقد عززت الحكومة الموقع التجاري الاستراتيجي للأردن، بعد أن تأسست شركة الجسر العربي للملاحة البحرية بين الأردن ومصر والعراق. وقد تم انجاز رصيف متخصص لمناولة مشتقات البترول والمواد السائلة، ويجري العمل في نباء رصيف ومحطة للركاب في ميناء العقبة، وسيباشر قريبا في انشاء رصيف متعدد الاغراض في المنطقة الصناعية في جنوب العقبة. وتم تحديث اسطولنا الجوي بطائرات جديدة. وتقوم الملكية الأردنية بتأسيس مركز متطور لخدمة العمليات الجوية والطوارىء، لتسهيل الاتصالات وادارة العمليات الجوية بين المراكز وجميع طائرات المؤسسة على مدار الساعة.

وتستمر حكومتي في استكمال المزيد من المقاسم الالكترونية الرقمية الحديثة، وتشغيلها، وتوسيع المقاسم القائمة في جميع مناطق المملكة. وقد تبنت ادارات الاتصالات في كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية مشروع كابل الألياف الضوئية الاقليمي، الذي سيعمل ايضا على ربط شمال المملكة بجنوبها. ويجري حاليا تسلم أجزاء من شبكة ميكروويف الجنوب الرديفة للشبكة الوطنية للاتصالات الآلية، وايصال البرامج التلفزيونية والاذاعية الى تلك المناطق على وجه أفضل.

وتواصل حكومتي السعي لتطوير الأداء الاداري والمالي والفني لمؤسسات القطاع العام التي تقدم خدماتها للمواطنين. وقد شارفت على الانتهاء الدراسات المالية والادارية والقانونية لتحويل مؤسسة النقل العام، والملكية الأردنية، ومؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية، الى شركات يملكها القطاع العام، على أن يفسح المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة فيها في مرحلة تالية. وستعرض مشاريع القوانين الخاصة بها على مجلسكم الكريم.

وقد استطاعت حكومتي أن تخطو خطوات بارزة في مجالات الطاقة والكهرباء والمياه والري. فتم تشغيل محطة العقبة الحرارية. واستمر البرنامج الوطني للتنقيب عن النفط، ووقعت ثلاث اتفاقيات مع شركات عالمية في هذا المجال، صادق مجلسكم الكريم على قوانينها. اضافة الى اكتشاف الغاز الطبيعي الذي سيبدأ استغلاله في القريب العاجل - باذه الله - داعين الله أن تكون هذه البداية نافذة خير وبركة على البلد. ومع هذا الجهد، كثفت الحكومة دراسات بدائل الطاقة : الصخر الزيتي، والرمل الزيتي، والطاقة الشمسية.

وأحالت الحكومة على مجلسكم الكريم مشروع قانون التصديق على اتفاقية استثمار نهر اليرموك، بعد أن تم  - بحمد الله ورعايته - التوقيع عليها مع الشقيقة سوريا، بناء سد الوحدة على نهر اليرموك لرفد مصادر الري في وادي الاردن بوجه خاص وتعزيز الموازنة المائية للمملكة بوجه عام، بالاضافة الى توليد الطاقة الكهربائية. كما أنجز مشروع تمديد قناة الملك عبدالله الذي سيروي (60) ستين ألف دونم من اراضي وادي الاردن. واستكملت الحكومة  تنفيذ العديد من شبكات الصرف الصحي، ومحطات التنقية، في مدن المملكة المختلفة، ومحطة التنقية في خربة السمراء، التي تعتبر أكبر محطة من نوعها في المنطقة.

 واصبحنا نفاخر اليوم بان نسبة السكان المخدومين بالكهرباء والماء في مملكتنا العزيزة قد تجاوزت 96% وهي أعلى النسب في العالم.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان ظروف المرحلة الاقتصادية الدولية، التي يسودها الغموض والتقلب، قد تركت آثارا سلبية واضحة على الأداء التنموي للدول النامية، كما أدت الى تغير نمط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول العالم. وعلى الرغم من أن الاقتصاد الأردني جزء من اقتصاد الدول النامية، ويتأثر تأثرا مباشرا بأحداث المنطقة، بحكم انفتاحه على الدول العربية الشقيقة المحيطة وارتباطه بها، الا أننا استطعنا - بحمد الله ورعايته - أن نبقي مسيرتنا التنموية في مساراتها الطبيعية بفضل عوامل الأمن والاستقرار والطمأنينة، ونجاح النسق التاريخي للفلسفة الاقتصادية الأردنية. والشواهد كثيرة على متانة الهيكل الاقتصادي الوطني، منها : قوة الدينار الأردني التي تبرز سلامة الاحتياطات من العملات الأجنبية، ومنها مصداقية الاقتصاد في خدمة التزاماته الخارجية في اوقاتها المحددة وضمن خطوطها الآمنة، وتراجع العجز في الميزان التجاري، وتحقيق فائض في ميزان المدفوعات، وزيادة تحويلات ابنائنا العاملين في الخارج، واختفاء معدلات التضخم تماما من الأسواق، وتحقيق معدلات نمو ايجابية في الناتج القومي.

وقد واصلت حكومتي سعيها المثابر الجاد نحو التصحيح والتكيف مع المستجدات الدولية وخلق المناخ  الاستثماري الملائم في جميع المجالات الانتاجية. وعملت على الربط بين فعاليات القطاعين العام والخاص في الانتاج والبناء. وباشر المجلس الاقتصادي الاستشاري، الذي تتمثل فيه فعاليات القطاع الخاص، أعماله لتنشيط الدور التنموي لهذه الفعاليات. وقد تم وضع العديد من التشريعات الجديدة - كقانون تشجيع الاستثمار - موضع التنفيذ، وتهدف كلها الى جعل الأردن مركزا صناعيا وتجاريا رائدا في المنطقة. ويجري العمل حثيثا في تطوير التشريعات الهامة الاخرى، كقانون الشــركات، وقانون البنوك، لمواكبة تطورات القطاعات الاقتصادية المختلفة. وقد عقد مؤتمر المغتربين الثالث هذا العام لتمتين الجسـور القائمة بين الأردنيين العاملين في الخارج ووطنهم وتعريفهم بمجالات الاستثمار في المملكة، في الوقت الذي توجهت الحكومة الى تعريف المستثمرين غير الأردنيين بهذه المجالات، فأقامت تظاهرة استثمارية في دولة الكويت الشقيقة. وما النشاط الملحوظ لسوق عمان المالي، منذ بداية هذا العام الا دليل آخر على سلامة المناخ الاستثماري في المملكة.

وقد أولت الحكومة القطاعات الانتاجية، الزراعية، والصناعية، عنايتها الفائقة لما لها من تأثير ايجابي مباشر على درجة الكفاية الذاتية والتصدير، وبدائل الاستيراد، ونقل التكنولوجيا، واستغلال الثروات الطبيعية والمعدنية.

ففي القطاع الزراعي يستمر العمل في تنفيذ المشروعات الكبيرة، كتطوير حوض نهر الزرقاء وحوض الحماد، وهي مشروعات تهدف الى المحافظة على الموارد الزراعية الأساسية، من ارض ومياه، والى زيادة الانتاج النباتي والحيواني، وزيادة رقعة المراعي والغابات. وتعمل الحكومة على تنظيم القطاع الزراعي، من خلال اجراءات عديدة، كتطبيق النمط الزراعي، ووضع الأسعار التشجيعية للمحاصيل المراد انتاجها. وبعد أن ثبتت نجاعة انتاج القمح والحبوب، وتنمية الثروة الحيوانية في الأراضي الجنوبية الشرقية من المملكة، واقبال القطاع الخاص على الاستثمار في هذه المشاريع، واصلت الحكومة تأجير الأراضي باجور رمزية. وتستمر في الوقت نفسه في توزيع الأراضي الصالحة للزراعة في المناطق الصحراوية على مستحقيها من ابناء الباديـــة، لتوطينهم فيها، ولزيادة الانتاج، واستغلالها أفضل الاستغلال. وتستمر عمليات تصدير المنتوجات الزراعية الى الأسواق العربية التقليدية، والى الأقطار الأوروبية، بنجاح كبير. وتعمل الحكومة على تطوير البحوث الزراعية وتنسيقها بين الجهات المعنية من خلال انشاء مركز وطني للبحوث الزراعية ونقل التكنولوجيا.

وفي مجال الصناعة والتعدين، استمرت الحكومة في توجيه الاستثمارات وتشجيعها، لاقامة المشاريع الانتاجية، والحد من انشاء الصناعات المتشابهة، والتركيز على الصناعات التصديرية. وقد باشرت بوضع اطار لمؤسسة تتولـى تنمية الصادرات الأردنية، وضمانها، والتأكيد على المواصفات القياسية للسلع المستوردة والمصدرة، والتشدد في تطبيقها.

وقد شكلت الحكومة لجنة عليا للصناعات الكيماوية لاستغلال املاح البحر الميت وثرواته، وعملت على ادماج العديد من الشركات المتشابهة والمتكاملة، وقدمت الدعم المالي بأشكاله المختلفة لتصويب أوضاع الشركات الصناعية الرئيسية التي واجهت أزمات مالية حادة.

ولتعزيز مسيرة التكامل الاقتصادي العربي، نشطت الحكومة أعمال اللجان المشتركة القائمة، وشكلت لجانا جديدة مع الدول العربية الشقيقة، انبثق عنها العديد من الشركات الاستثمارية، أسندت اليها مهام انشاء مشاريع صناعية وزراعية تهدف الى زيادة الاستثمار، وخلــــق فرص عمل جديدة، وتوسيع رقعة السوق، والاعتماد على الذات. كما عقدت الحكومة بروتوكولات تجاريــــة ثنائية مع الدول العربية والاسلامية والصديقة، تهدف الى فتح أسواق جديدة امام المنتوجات الأردنية.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ان المحافظة على الانجازات النوعية البارزة في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، والاستزادة منها، تتطلبان تصحيح العديد من المفاهيم التقليدية، وتطويرها، للتعامل مع متطلبات عصر التقنية المتسارعة في التقدم والتجدد، والارتقاء الى حجم الطموحات المنشودة. وفي الوقت الذي تجري فيه عمليات تحديث المسارات التربوية والتعليمية والصحية والعلمية والتكنولوجية، والرقابة المالية، والحكم المحلي، فان الاصلاح الاداري قد أخذ نصيبه في هذا السياق. وقد استمرت اللجنة الملكية للتطوير الاداري في اداء رسالتها في التصدي لكل العوائق والاشكالات التي تعترض سبيل التنمية., وأعادت النظر في التشريعات والتنظيمات المتصلة بالعملية الادارية، فأنهت دراسة واقع التنظيم وأشكال الارتباطات بين اجهزة الادارة العامة، وأصدرت نظام الخدمة المدنية. وهي بصدد النظر في التشريعات التي تنظم الادارة المالية للدولة.

وعلينا أن ندرك حقيقة اساسية، وهي أن التطوير الاداري ليس حكرا على الادارة العامة ولا حصرا فيها، بل هو عملية شاملة لكل فعاليات المجتمع. لأن المجتمع جســد واحـــد ينمو نمــوا متجانسا، ويرتقي على نحو متكامل.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

اننا لا نكتفي باصلاح ما هو قائم، ولا بالتكيف مـــع الأحداث الطارئة، بل نحاول أن لا نكون غرباء عن الركب، نواكبه في علومه الجديدة وتقنيته المتطورة، فانساننا قادر على الخوض في هذه الغمار، ومؤهل لتوطينها والابداع في مجالها. وقد شكلت الحكومة اطارا مؤسسيا لمتابعة قضايا العلوم والتكنولوجيا، وتطويرها، والتعامل معها، على وجه منسق ومتجدد، من خلال قانون المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا الذي أقره مجلسكم الكريم.

واذا كانت ثورة التكنولوجيا سمة هذا العصر، فان الثورة المعلوماتية سمة اخرى من سماته الرئيسية. فالسرعة في الحصول على المعلومات وتنظيمها وانسيابها من الأجهزة المساندة لصنع القرار الى صناعة البيانات والأرقام وتحديثها على وجه متواصل، اصبحت اليوم من الضرورات البالغة الأهمية، التي تحتمها طبيعة العصر الديناميكي. وقد انشأت الحكومة نظاما وطنيا للمعلومات، قادرا على تنظيم الاتصال بين شبكات المعلومات ومراكز صنع القرار في اجهزة الدولة المختلفة. وقد بدأ العمل في المرحلة الأولى من هذا النظام الذي سيشمل جميع اجهزة الدولة - بعون الله -.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

لقد كان لمنهج التخطيط الاقتصادي والاجتماعي الدور الكبير في ترسيخ التنمية الشاملة المتوازنة، ومتابعة تحقيق الأهداف المتوخاة من الخطط والبرامج. وتتابع الحكومة باســـتمرار تنفيذ الخطـــة الخمسية الثالثة، وبرامجها الاستثمارية القطاعية والاقليمية مـــن خلال تطبيق الوسائل والاجراءات الواردة فـــي الخطة من جهة، وادخال الجديد منها حسب مقتضى الحال من جهة اخرى. كما تعمل على حفز القطاع الخاص لأخذ دوره الفاعل في تنفيذ برامج الخطة الخمسية.

وفي الوقت نفسه تستمر حكومتي في تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأراضي المحتلة، لدعم صمود الأهل، وتثبيتهم على ارضهم وترابهم الوطني. وقد وضعت الأسس والقواعد الكفيلة بتنفيذ هذا البرنامج، وحددت المناطق التنموية المستهدفة حول مراكز المحافظات والألوية في الضفة الغربية وقطاع غزة، واختارت من بين ابنائنا هناك ممن يعملون في قطاع الخدمة العامة او في القطاع الأهلي، نفرا كريما في كل منطقة، انيطت بهم مهام تنفيذ البرامج. وقد خصصت الحكومة المبالغ اللازمة من موازنة الدولة ومما تلقته من مساعدات لهذا الغرض من الدول الشقيقة والصديقة، للمساهمة في تمويل المشروعات التنموية هناك، وشرعت في تمويل الدفعة الأولى من المشاريع التنموية في الضفة الغربية وقطاع غزة في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية.

هذا، بالاضافة الى ما تقدمه حكومتي سنويا من دعم للبلديات والمجالس القروية في الضفة الغربية، ولموظفي القطاع العام فيها. وقد قررت الحكومة تقديم الدعم المباشر لفئات المعلمين في المدارس الرسمية ممن عينوا بعد عام 1967. وقد شمل الدعم سبعة آلاف معلم ومستخدم في الضفة الغربية، وثلاثة آلاف معلم ومستخدم في قطاع غزة. كما تقدم حكومتي دعما مباشرا للمحامين والأطباء والمهندسين، بالتنسيق مع نقاباتهم المهنية، ولتكمينهم من الثبات على الأرض، وتقديم الخدمات للمواطنين والمؤسسات الآهلية هناك.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

انكم لا شك تذكرون أن سياسة المراجعة والتقويم المنتظمة، التي انتهجتها حكومتي مع مختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها، على ضوء المتغيرات التي تمليها حركة التطور ومتطلباته، وقد شــملت - خلال الدورات السابقة لمجلسكم الكريم - عددا من مجالات ادامة حيوية المجتمع واستمرار نمائه. وكان من أبرزها : الادارة، والتربية والتعليم، والاقتصاد، والصحة، والمشاركة الديمقراطية ممثلة في الحياة البرلمانية. وقد ناقش مجلسكم الكريم كل هذه المجالات باسهاب وتفصيل على مدى شهور طويلة، استمع خلالها الى مختلف الآراء، سواء من خلال المختصين والمثقفين، أو من خلال الصحافة وممثلي القطاعات الشعبية في أرجاء المملكة.

وكان من نتيجة هذه المداولات والأبحاث والمناقشات، أن أقر مجلسكم الكريم قانون الانتخابات رقم 22 لسنة 1986م، الذي جاء منسجما مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية خلال العقدين الأخيرين، ومع تطلعات شعبنا الأردني العزيز الى توسيع قاعدة المشاركة الديمقراطية، مثلما جاء متجاوزا - بقدر الامكان - لحاجز الاحتلال.

وقد تبين للحكومة، من خلال الممارسة الفعلية أن المدة بين اقرار القانون وتطبيقه، كانت قصيرة، فرأينا ضرورة منح عملية التسجيل والاعداد للانتخابات وقتا اطول. ولذلك قررنا - بموجب الصلاحيات الخولة لنا في افقرة الأولى من المادة 68 من الدستور - اصدار ارادتنا بتمديد مدة مجلس النواب لفترة لا تزيد على السنتين، يجري خلالها الاعداد لانتخابات نيابية عامة.

وانني اذ أتخذ هذا القرار، لأود أن أسجل تقديري العالي لمجلسكم الكريـــم، لانجازاته المشكورة، ولحسه العميق بالمسؤولية تجاه كل التحديات التي نواجهها، ولتعبيره الصادق عن تطلعات الشعب، وتمثيله الحقيقي لمصالحه.

وانني على يقين من أنكم ستواصلون - خلال فترة التمديد - عملكم الوطني بالمستوى نفسه - الذي عهدناه فيكم - من السؤولية وروح التعاون مع السلطة التنفيذية.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

لم يطرأ - خلال الدورة السابقة - جديد على سلم اولويات التحرك السياسي لحكومتي، سواء على الصعيد العربي، أو على الصعيد الدولي. كما لم يحدث تغير على الأهداف المباشرة التي واصلنا السعي لبلوغها.

فالقضية الفلسطينية - التي هي علـــى الدوام محور سياساتنا ومركـــز اهتمامنا - واصلت حكومتي التعامل معها - ببعديها الداخلي والخارجي - بثبات ووضوح. فبعد عشرين عاما من الاحتلال، ما زال الشعب الفلسطيني يخوض حرب البقاء على أرضه الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعناد واصرار، لا يعادلهما الا عناد سلطات الاحتلال الصهيوني واصرارها على تجويفه واقتلاعه. وبقينا من جانبنا نواصل دعم صموده، وفق الخطة التنموية التي رسمناها، وباشرنا بتنفيذها.

والى جانب ذلك فما زلنا نواصل متابعة ممارســـات سلطات الاحتلال، وتوجهاتها، وأبعاد هذه التوجهات، ودراســـة كل ذلك محاولين - في اطار العمل الدبلوماسي - ان نفضح هذه الممارسات على مختلف الأصعدة الدولية، للحد منها، وأن نتصدى لتلك التوجهات العدوانية، بكل ما يتيسر لنا من أدوات، لكشفها وابطال اثرها.

ومن هنا تأتي أهمية تكثيف الاتصال بأهلنا في الأرض المحتلة، سواء بتنبيههم وتوجيههم الى ضرورة اليقظة المستمرة والتماسك، أو بدعمنا لمؤسساتهم المختلفة، باعتبارهم الطليعة في معركة البقاء على الأرض.  أما على الصعيد الخارجي للقضية الفلطسينية، فقد واصلت حكومتي مساعيها الدبلوماسية لحشد التأييد وتثبيت الاقتناع بالمؤتمر الدولي للسلام، وما زالت هذه المساعي تواجه الحاجز الاسرائيلي، الناجم عن اخفاق الحكومة الاسرائيلية في التوصل الى قرار عن المؤتمر. ولقد تمخضت مساعي حكومتي مع الأطراف العربية والدولية، عن توسيع دائرة التأييد للمؤتمر الدولي، الى الحد الذي غدا معه واضحا للجميع  في العالم، بما في ذلك الشعب الاسرائيلي نفسه ان مساعي السلام قد تصل الى طريق مسدود، بسبب تعنت اليمين الاسرائيلي في حكومة الائتلاف الوطني. فبعد عشرين سنة من الاحتلال، وعلى ضوء كل الجهود التي بذلت من أجل الوصول الى تسوية سلمية عادلة للنزاع العربي - الاسرائيلي، اتضح أن السلام في المنطقة قد عرقله - حتى الآن - الموقف الاسرائيلي الذي يرفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة مقابل السلام.

وبعبارة اخرى اصرار اسرائيل على رفض قرار مجلس الأمن رقم 242. والسبيل الى تحقيق السلام أصبح هو الآخر معروفا ومتفقا عليه، الا وهو عقد مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة، وتشارك فيه سائر الأطراف المعنية، ومعها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، من اجل تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي (242 و 338)، وتسوية القضية الفلسطينية من جميع جوانبها.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

وانطلاقا من ايماننا بالمصير العربي الواحد، وبالعمل العربي المشترك، ووفاء منا لمبادىء النظام العربي، الذي ما زال يتعرض لعوامل انهاكه واضعافه، اما بالعدوان عليه مباشرة من الخارج، واما من خلال النزاعات والخلافات التي تمزقه من الداخل، فقد واصلت حكومتي سعيها الدائب مع مختلف الدول العربية الشقيقة، من اجل ازالة الشوائب التي تغشى العيون، وتحجب عنها رؤية ما يمكن ان يؤول اليه الكيان العربي، لو استمرت الحال على ما هي عليه، من تنابذ واحتراب وانكفاء قطري، وأملنا أن نجعل مما وصلنا اليه القرار الذي لا انحدار بعده، تمهيدا للصعود والعودة الى ما ينبغي أن نكون عليه من ترابط، مستند الى التمسك بالنظام العربي، وتعاون وتضامن منبثقين عن الرؤية المشتركة.

وقد وجدت حكومتي - في جميع اتصالاتها - تجاوبا مخلصا من الجميع، واتفاقا على تحليل الاوضاع في واقعها، وابعاد استمراها، والمترتبات الخطيرة عليها. وبعبارة اخــرى كانت الرؤيـــة للتحديات والأخطار واحدة والحرص علـــى المصلحة العربية العليا واحدا، ومصادر القلق هي الاخرى واحدة.

ومع ذلك، فقد لاحظنا أن هذه الرؤية المشتركة، لم تكن كافية لازالة الحواجز التي رسخها الجفاء وتراكم مرارات الخلافات. وقد أيقنا أن قصر العمل على الاتصالات الثنائية غير كاف لدفع المسيرة، وأن إزالة الحواجز تحتاج الى جهد جماعي يتم من خلال خطوة جماعية واحدة. ولذلك شرعت حكومتي باستطلاع رأي المسؤولين في الدول العربية حول عقد مؤتمر قمة عربي يخصص لهذه الغاية. واثناء بذلها لهذه المساعي، اتسعت مخاطر حرب الخليج، لتشمل، - في تهديداتها - المملكة العربية السعودية الشقيقة، والكويت الشقيق، وأشرعت الأبواب واسعة أمام الدول الكبرى، واحتمالات تثبيت مواقعها في منطقة الخليج، ليتلوها الحادث المفجع بخروج الحجاج الايرانيين على امر الله سبحانه وتعالى بالتمسك بآداب فريضة الحج حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج.

وكان هذان التطوران كافيان لاستنفار العزيمة عند سائر الأشقاء، من اجل اتخذ خطوة جماعية لمواجهة الموقف المتدهور. وجاء قرار مجلس الجامعة العربية عقـد مؤتمر قمة عربــي غير عادي فــي عمان، في الثامن من تشرين الثانــي ( نوفمبر ) المقبل معبرا عن تلك العزيمة، وأملنا أن يكون هذا المؤتمر الخطوة الجماعية التي تفتتح عهدا جديدا، يستعيد فيه النظام العربي عافيته ومصداقيته.

واننا لنرى في اختيار عمان ملتقى للقمة غير العادية القادمة، تكريما للأردن، وتقديرا لجهوده وتوجهاته المخلصة نحو تنقية الأجواء، ولم الشمل، وجمع الصفوف. واننا اذ نعتز بهذه الثقة التي أولانا اياها الأشقاء الكرام، ليسرنا ان نعرب عن سعادتنا بالترحيب بهم في بلدهم، وبين أهلهم، معاهدين الله أن يعمل كل ما في استطاعتنا لانجاح اعمال المؤتمر، وفاء لأمتنا الواحدة، وخدمة لمصلحتها العليا.

حضرات الأعيان، حضرات النـواب،

ولا بد لي أن اعيد تأكيد وقوفنا الى جانب العراق الشقيق في دفاعه عن أرض العراق العربية، وفي دعوته المخلصة لانهاء الحرب، ولقد أيدنا فــــي هذا الصدد قرار مجلس الأمن (598) برمته، وأبدينا ملاحظاتنا لمختلف الدول الأعضاء الدائمين في المجلس، عن ضرورة المتابعة الجدية لتنفيذ القرار، حتى لا يترك المجال مفتوحا أمـــام مراوغات النظام الايراني ومناوراته.

ولقد كانت مواقفنا السياسية دائما واضحة صريحة، تنطلق من ركائز ومبادىء ثابتة. لم نتردد لحظة في اعلانها والمناداة بها، وقد تجلت - في أوضح صورها - في موقفنا العربي الاسلامي الذي يؤيد العراق الشقيق تأييدا لا لبس فيه، والذي يرى - في الوقت نفسه - ان النظام الايراني الحالي - بما جـــر على المنطقة كلها من متاعب وتدخلات اجنبية - لا يمثل حقيقة ايران، الدولة المسلمة، والجار الدائم الذي نتطلع الى عودة العلاقات الطبيعية بينه وبين جيرانه العرب، بعيدا عن التعصبات العرقية، والأطماع الاقليمية، التي لن يستفيد منها احد سوى اعداء الأمة الاسلامية.

وختاما، فأنني أضرع الى الله أن يسدد خطانا جميعا في طريق الخير والمحبة والتماسك والبناء، وأن يكلأ جهودنا بعنايته ورعايته، وأن يوفقكم في أعمالكم، في دورتكم الجديدة، خدمة لشعبكم وأمتكم، أنه نعم المولى ونعم النصير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،,