مجلس الأمة
نسخة للطباعة

رد مجلس الأعيان على خطاب العرش السامي
في إفتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الثاني عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي

وعلى آله الطاهرين

سيدي صاحب الجلالة الملك الهاشمي الحسين المعظم

رعاه الله بعنايته وتوفيقه

يتشرف مجلس الأعيان بأن يعرب لجلالتكم عن أطيب التحية ، وأن يرفع لمقامكم السامي اصدق عبارات الشكر وآيات الإخلاص لتفضلكم بإفتتاح الدورة الثانية لمجلس الأمة الأردني الثاني عشر ، وأن يُشيد بما تضمنه خطاب العرش من تأكيد للمواقف الأردنية الثابتة ، التي وضعتم جلالتكم أسسها ورفعتم بنيانها وللمبادئ والمفاهيم النبيلة التي أشاعتها بين شعبكم : حكمتكم وحلمُكم وحسن تأتيكم للأمور ، فالتف هذا الشعب الوفي بعرشكـم ، ومحضكم الحبّ والثقة ، واعتز بقيادتكم الأمينة التي شقت به عباب الصعاب ، وأنارت له طريقه في الظلمات ، حتى تغلب على التحديات ، ووصل بكم ومعكم – بتوفيق الله وفضله – إلى بر الأمان وشاطئ السلامة .

سيدي صاحب الجلالة

لقد توصلت حكومة جلالتكم إلى معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل تتفق مع الثوابت الأردنية والشرعية الدولية ، وتضمن استعادة حقوق الأردن الكاملة في أرضه ومياهه وترسيم حدود دولية بين الجانبين ، فقضيتم بذلك على أوهام وتصورات ومطامع توسعية كانت لها مخاطرها على مدى سنين طويلة ، وهكذا تأكدت سيادة الأردن وحقوقه الوطنية والقومية ، وتعزز أمنه وطمأنينته ، وأصبحت متاحة له فرص التقدم والتنمية ومعالجة قضاياه الأساسية لينهض برسالته الوطنية والقومية والإقليمية والدولية .

وما كان ذلك ليتحقق لولا حرص جلالتكم على أن تجعلوا من شعار " الثوابت الأردنية " حقيقة على أرض الواقع فوجهتم حكومتكم ووفدها المفاوض لتجسيد ذلك الشعار فتم ذلك بنجاح ، وأحللتم بلدكم في المكانة الدولية المرموقة بفضل ما لجلالتكم من تقدير في المحافل العالمية وما تتحلون به من صفات ، وحققتم له دوراً عربياً متميزاً له أثره في وطننا الكبير ممّا أثار الإعجاب .

ومع هذا الإنجاز الوطني حرصتم جلالتكم على التعبير عن أملكم أن تكون هذه المعاهدة إسهاماً هاماً في إنجاز سلام شامل وعادل يعم المنطقة كلها ، وتجد شعوبها في ظله فرصاً جديدة للبناء والتقدم ، وأكدتم حرصكم على دعم أشقائنا في المسارات العربية الأخرى للوصول إلى حقوقهم كاملة ، والتنسيق مع جميع الأشقاء العرب في مختلف المواقف .

وإنّ مجلس الأعيان ليؤيد هذا الموقف العربي الأصيل من جلالتكـم ، ويبارك جهودكم من أجل عودة التضامن العربي وتجاوز الماضي بكل جراحه ، والإرتقاء إلى مستوى جديد بالعمل السياسي العربي ، حتى تعود امتنا إلى إستئناف حمل رسالتها الرائدة .

سيدي صاحب الجلالة

لقد تجلى حرصكم على صيانة مسيرة الديمقراطية في أردننا العزيز من خلال ما بثثتم في خطاب العرش من معان وعبارات تدل على وضوح الرؤية لمستقبل هذا الجزء الغالي من الوطن العربي ، وعلى عزم جلالتكم وتصميمكم على المضي فيما اخترتموه جلالتكم مع شعبكم من تعميق مسيرة الديمقراطية وتأكيد مبادئها وتطوير ممارساتها وترسيخ أخلاقياتها ، ولذلك كررتم جلالتكم التأكيد على : حماية النهج الديمقراطـي ، وتعزيز سيادة القانون ، والالتزام بالدستور والميثاق الوطني والتعددية السياسية ، وإنّ المجلس ليعتز أعمق إعتزاز بما ذكرتموه جلالتكم في أوضح بيان من "" أن أحد المعاني المتمثلة في انعقاد هذه الدورة هو التأكيد على تعزيز دول مجلس الأمة في مسيرتنا الشورية التي ترسخت دعائمها على مبادئ الحق والحرية والعدل ، والتزمت بالتعددية وإحترام الرأي والرأي الآخر ، دونما تعصب أو تطرف أو انغلاق "" .

ولقد قررتم جلالتكم - بثاقب نظركم ونفاذ بصيرتكم - أنّ حقوق الإنسان وحرياته ، والديمقراطية ، وحماية الأمن ، وضمان الإستقرار ، منظومة واحدة متكاملة لبناء الأردن القوي القادر على النهوض بمسؤوليات لا تختص به وحده ، وإنما تمتد لتشمل أمانة الدفاع عن الأمة كلها : حريتها ، وتاريخها ، وأمنها ، ومستقبلها .

ولذلك فإنّ مجلس الأعيان ليؤكد أنّ قواتنا الأردنية وأجهزة الأمن الوطني هي مبعث فخرنا وإعتزازنا ، ويجب أن تظل في طليعة اهتمامات بلدنا ، وموضع العناية والدعم والتأييد ، لتواصل رسالتها في توفير الحماية والأمن للوطن والمواطن ، ولا يتأتى لها ذلك إلاّ إذا استكملت أسباب القوة ووسائل المنعة ، واستمرت في تطوير قدراتها ، وتنمية استعدادها ، لتساير حركة التطور العالمية ، ولتنهض بواجبها الوطني والقومي ، فضلاً عن قيامها بواجباتها الإنسانية الدولية ضمن قوات حفظ السلام في عدد من المواقع .

أمّا القدس فقد أحللتها جلالتك في المحل الأعلى من نفسك ، كيف لا ، وهي مسرى رسول الله الذي ربط به "" الله "" عز وجل ، المسجد الأقصى بالمسجد الحرام ومعراجه الذي ربط المدينة المقدسة بالسماء ، وهي مثوى جدك الكبير الملك الحسين بن علي تغمّده الله برحمته ، وفي رحاب المسجد الأقصى استشهد مؤسس المملكة الملك عبدالله ابن الحسين أدخله الله فسيح جنانه .

وقد توالت رعاية آل البيت للمقدسات في هذه المدينة المباركة ، وواصلتم جلالتكم رسالة الأجداد الهاشميين الأبرار في الدفاع عن عروبة القدس وفي القيام بواجب الولاية والرعاية والعمارة للمسجد الأقصى ومنبره التاريخي منبر صلاح الدين وعمارة قبة الصخرة المشرفة وإعادة رونقها إليها ، وبذلك حافظتم جلالتكم على هذه الأماكن المقدسة في أيد عربية وجنبتموها الوقوع فيما لا يعلمه إلا الله تعالى .

وبالإضافة إلى ذلك ستظل الأجيال المسلمة القادمة تذكر بالشكر والإعتزاز جهود جلالتكم في العناية بعمارة مقامات الصحابة وأضرحتهم وتحسين المناطق المحيطة بها في مختلف أنحاء المملكة ودعم التوجيه الإسلامي التزاماً بأحكام الشرع الحنيف ومبادئ الإعتدال والوسطية التي جاء بها الإسلام ، والتي ما فتئتم جلالتكم تنادون بها وتدعون إلى نشرها وخاصة من خلال أداء المساجد لرسالتها .

سيدي صاحب الجلالة

لقد أطلع مجلس الأعيان على ما ورد في خطاب العرش عن إنجازات الحكومة في ميادين عمل الوزارات والدوائر المختلفة . ومجلس الأعيان يقدر لحكومة جلالتكم جهودها وبخاصة في مجالات الإصلاح الإداري والمالي والإقتصادي ، وفي مجالات الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي والتنمية الإجتماعية والعمل والعمال والزراعة ، ومواصلة توفير الخدمات الأساسية للمواطنين وإشاعة العدل بين الناس . وسيبذل مجلس الأعيان أقصى طاقته للتعاون معها على تحقيق الخير لأردننا ولمواطنينا . كما فعل في الماضي ، وكما سيظل يفعل في المستقبل : يواصل رسالته في الدراسة المسؤولة لما يقدّم إليه ، والتعبير عن رأيه الصريح ، وتقديم النصح والمشورة . ولذلك يؤكد مجلس الأعيان ما ورد في خطاب العرش عن مشكلة البطالة والفقر ، ومع تقديره للجهود التي بذلت في هذا المجال والتي لا تزال تبذل ، فإنّ المجلس ليدرك الحاجة إلى مضاعفة الجهود المبذولة للتخفيف من آثار المعاناة التي يرزح تحت وطأتها نفر عزيز من مواطنينا . والأمل معقود – في جوانب الإصلاح المختلفة وتحريك عوامل الإقتصاد – على اللجنة الملكية للتطوير والتحديث التي أمرتم جلالتكم بتأليفها . وعهدتم برئاستها إلى صاحب السمو الملك بأخيكم وولي عهدكم وموضع ثقتكم الأمير الحسن بن طلال.

لما عرف عن سموه من رؤية عميقة وحرص على ترسيخ مفهوم بناء دولة المؤسسات وتأكيد سيادة القانون وتعميق الحرص على صيانة المال العام .

ويرى مجلس الأعيان أنّ المرحلة الجديدة بما تحمله من تحديات تستدعي مواجهتها بالإدراك الصحيح للمستجدات والمتغيرات المتسارعة في العالم وفي المنطقة ، والرؤية المستقبلية الشاملة لتطورات الأحداث ، ثم بتجسيد ذلك الإدراك وهذه الرؤية في خطط عملية ذات برامج تنفيذية وجداول زمنية ، واستحداث آليات حقيقة للمتابعة والتقويم والتصحيح والتطوير . وذلك كله يقتضي الكثير من اليقظة والجرأة ، حتى يكون لنا مشروعنا العربي الأصيل الممثل لحقيقة أمتنا ومقومات شخصيتها ، لنشارك به في الخطاب الحضاري العالمي .

وإنطلاقاً من ذلك يؤيد مجلس الأعيان تأكيد جلالتكم في خطاب العرش السامي على مشروع النهضة القومي الشامل ، وإن وقفت في طريق تحقيقه ظروف الأمة من حولنا ، مؤمنين بانّ مستقبل امتنا المشرق سيكون بالتكاتف والتعاون على ما فيه خير هذه الأمة العربية الإسلامية التي آن لها أن تنهض من كبوتها ، وتخلص مما ران على مسيرتها من سكون ، وما تعرضت له من جمود وجحود .

سيدي صاحب الجلالة

إنّ مجلس الأعيان ليضرع إلى الله العلي القدير أن يسبغ على جلالتك نعمة الصحة والقوة والبصيرة الملهمة ، لتواصل قيادة شعبك المخلص في مسيرة الخير والحق والصواب ، إنّه سبحانه نعم المسؤول ونعم المجيب .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته