مجلس الأمة
نسخة للطباعة

الحسين بن طلال
خطاب العرش
في
افتتاح دورة
مجلس الامة الاردني الثالث عشر



يوم السبت
الواقع في 29 رجب 1418 هجرية
الموافق 29 تشرين ثاني 1997 ميلادية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على رسوله العربي الهاشمي الامين

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

وبسم الله ، وعلى بركة الله ، افتتح الدورة الاولى لمجلس الامة الاردني الثالث عشر ، واحمد الله جل وعلا ، ان صان للحكم شرعيته الثابتة المستمرة وحفظ له مرجعيته الاسلامية منذ بداية البدايات وعبر الثورة العربية الكبرى وحتى هذا اليوم والى ان تتحقق الاهداف السامية والغايات النبيلة التى قامت من اجلها الثورة ، بعون الله .

ولحكمة ارادها ويريدها سبحانه وتعالى ، يجئ انعقاد مجلسكم الموقر هذا ، مع نهايات ايام القرن العشرين ، وبزوغ شمس القرن الحادي والعشرين ، ليكون بمشيئة الله ، عنوانا مباركا لحجيج بلدنا في طيات القرن الجديد، وطليعة قادرة مقتدرة ، على مواجهة ما يحمله من تحديات وما يتطلبه من جهود وتضحيات .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

لقد ولد مجلسكم هذا من صميم الارادة الصادقة لشعب بلدنا الصادق الامين . وجاء تعبيرا عن الرغبة الحرة للناخبين في المدن والارياف والبوادي والمخيمات ، ليكون تجسيما لارادة الامة في دفعكم الى صلب المسؤولية الوطنية وحملكم الى مركز الفعل والتأثير .

ولئن كانت الحكومة قد التزمت وأوفت بانجاز الانتخابات حرة نزيهة ، وفي موعدها المحدد وفق الدستور والقانون ، فان نتائج هذه الانتخابات قد خرجت بنا من مناخ سادته الحرية الكاملة والفرص المتكافئة ، الى مرحلة تتعدد فيها المسؤوليات والواجبات ، وتتدافع الاهداف والغايات ، وهو ما نثق بعزمكم على مواجهته ، وقدرتكم على انجازه وتحقيقه .

واذا كنا قد حرصنا ، منذ البداية ، على مشاركة الجميع في تلك الانتخابات ، فاننا كنا وسنظل حريصين كذلك على ان يكون لكل صاحب رأي ما يريد ، حتى يظل الاختلاف في الرأي صحيحا وراقيا يثري حياتنا السياسية بالتنوع الصحي ويغني مسيرتنا بالتعدد الذي تتزين به الديمقراطية فهنيئا لمن فاز ثقة الشعب وصوت الامة وهنيئا للوطن ولاء أبنائه واخلاص رجالاته .

ان العائلة او العشيرة في بلدنا ، مثلما هي في كل بلد واحدة من خلايا المجتمع التى تكون الشعب بمجموعه ، تصون مثله الرفيعة وتحفظ قيمه النبيلة ، وتدفع بتقاليده الحلوة وعاداته الكريمة دوما الى أمام . ولقد كانت العائلة ، مثلما كانت العشيرة في هذا الوطن الغالي ينبوع خير وعطاء ، ومعين شرف وكبرياء .ولم تكن يوما ، لا عبء ولا عيبا ، ولا نقيصة او مذمة لا قدر الله . فاذا كنتم قد جئتم من تلك الينابيع المباركة ، والمصادر النظيفة ، فهنيئا لكم ذلك ، وهنيئا للدولة بكم . ان كل واحد منكم هو من الوطن وللوطن . والوطن هو وطن كل عائلة وكل عشيرة ، ووطن كل مواطن ، في الشمال والجنوب والشرق والغرب سواء بسواء.

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

ان الدعامة الاساسية للديمقراطية التى ننعم بها ، ولكل ديمقراطية اخرى ، تتمثل او ل ما تتمثل ، في التعاون الصادق الموصول بين السلطات الثلاث ، التنفيذية ،والتشريعية ، والقضائية ،ثم بينها وبين القوى السياسية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، وفي النهاية بينها وبين الشعب بمجموعه ، او الامة بأسرها . ان المجتمع الحديث هو مجتمع التكامل والتناسق ومجتمع التضامن والتآزر ، لا مجتمع التباعد والتنافر ، ولا مجتمع التقاطع والتجاوز .

ولئن كانت الحكومات تأتي وتروح …. ومجالس الامة تتبدل وتتجدد … والسلطة القضائية تتطور وتتغير … فان الدولة التى تطوي اجنحتها كل هذه السلطات هي الباقية الخالدة . لان الشعب اولا واخيرا هو الخالد المتجدد على مر الزمان . ان كل ما تحمله الحكومة من انشطة وما تديره من اعمال في كل ساح ، هو للدولة ومن اجل الدولة ، وفي سبيل الدولة . فالاعلام هو اعلام الدولة ، والصحة هي صحة الولة ، والزراعة زراعة الدولة . وهكذا ولا ينبغي لاي نشاط من النشاطات ، ولا لاي جهد من تلك الجهود ، ان يتقلص ، او يتراجع ، او يتقزم ، بحيث يصبح منسوبا لغير الدولة في يوم من الايام .

ولان الموظف هو الاداة الرئيسية والخطيرة في يد الحكم ، لتنفيذ مهامه واداء واجباته ، نحو المواطن والوطن ، فهو الذي يظل امينا على مصالح الشعب وقضاياه … وفيا لاهدافه وامانيه . وهو هو وسيلة بناء صروح الدولة وتشييد اركانها . ومن هنا ينبغي ان يكون دوما موضع العناية والتقدير ، مثلما يجب عليه ان يمون ابدا ، مستحقا لكل عناية ، جديرا بكل تقدير

ولئن كان " الروتين " هو العدو الاول لانطلاق مايؤديه الموظف من الخدمات العامة ، فان " الفساد " هو المعول الاكبر لهدم كل قائم من تلك الخدمات وتقويض كل امل بتقدم البنيان . وليس هناك في الوطن ولا في الدولة ، من ينبغي ان يتصدى لمحاربة العدوين اللدودين ، للتقدم والرقي ، اكثر من الموظف نفسه : نواة الادارة السليمة ، وعصب الحياة النابضة الكريمة .

لكن مجتمعنا ، ايها السادة الاعيان والنواب المحترمون ينبغي ان لا يكون " مجتمع الوظيفة " بحال من الاحوال . ففي ذلك المجتمع ، حيث يصبح الكرسي هو الوطن ، والوظيفة هي القضية ، تفقد الاشياء قيمتها ومعناها ، وتضيع من بين يدي الشعب مثله ، واحلامه ، وامانيه . ان وطننا يجب ان يتحول بمجموعه الى ورشة عمل دائم . لكل واحد من ابنائه دوره وعليه واجباته . الكاتب والفنان . والعامل والمزارع . والموظف ورجل المهنة . ورشة لا مكان فيها للمتفرجين ولا للمهملين . ان حركة بناء الوطن مثل الحياة نفسها ، دائمة لا تتوقف . واذا لم يتول ابناء الوطن بناء وطنهم ، فليس من حقهم ان يكتفوا بالنقد والشكوى ، ولا بالذم او التجريح ، ولا ان يتطلعوا الى الاخرين كي يتولوا بناء وطنهم نيابة عنهم . والبناء ، اولا واخيرا ، جهد وعطاء . وولاء وانتماء . فليبذل كل واحد منا كل ما يقوى عليه من جهد . وليعط لهذا البلد ، كل ما تملكه نفسه من قدرات وطاقات . ومثلما ينطبق كل هذا على سائر المواطنين ، فانه بالتأكيد ينطبق على سائر السلطات . فأي سلطة ينبغي ان لا تجلس لتتفرج على اداء سلطة اخرى . وانما ينبغي ان يكمل عمل كل سلطة ، عمل السلطة الاخرى ، كله الى ما يشبه الاوركسترا الهائلة العدد والعدة ….ولكنها دائما وابدا تعزف سيمفونية واحدة .. هي سيمفونية الوطن .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

اما عمل السلطة التشريعية فيأتي منطلقا من هذه القلعة المباركة الحصينة ليزين جبين الدولة زينه عمل السلطة التنفيذية ومنحه كل اسباب البهاء . ويترادف معهما عملالسلطة القضائية في صرحها المنيع ، لينشر في ربوع الدولة معنى العدل الذي لا يستقيم من دونه حكم ، ويرسخ في جنبات الدولة قيم الحق التى لا تزهو من دونها حياة ، ويصون في اركان الدولة حقيقة الحرية التي لا تتحقق ولا ترقى من غيرها ، انسانية الانسان .

ومثلما كان عضو السلطة التشريعية تعبيرا صادقا وامينا عن ارادة الشعب ، فان كل عضو في السلطة القضائية ينبغي ان تعبيرا صادقا وامينا عن مثل الشعب وقيمه وفضائله .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

من اجل كل ذلك ، ومن اجل غيره من اهداف الدولة وغاياتها ، سوف تتقدم حكومتي الى مجلسكم الموقر بمجموعة من الوانين والتشريعات : بعضها يستهدف تحديث وتطوير تشريعات وقوانين قائمة ، وبعضها الاخر يجئ لفتح آفاق جديدة ، من آفاق التطور والبناء . وسيكون في طليعة تلك القوانين قانون انتخابات جديد ، يراعي التحولات والتطورات السياسية والاجتماعية التى يفرضها العصر ، ويحقق المزيد من المساواة والعدالة بين سائر المواطنين ،ويحافظ على الثوابت في مسيرتنا الوطنية . كما ستعمد الحكومة الى التقدم للمجلس الكريم بتشريعات جديدة تستهدف تطوير قوانين الاحزاب والنقابات ، ضمانا لحسن الأداء وضبط الممارسات وصونا لحقوق الشعب ومصالح الوطن بعون الله .

وكانت حكومتي قد تقدمت من المجلس الموقر بقانون المطبوعات الذي تم اصداره بشكله المؤقت استجابة لتوجه مجلس النواب السابق وبعد ان منيت الرسالة الصحفية النبيلة في مرحلة سابقة . بما لا يتمناه لها اعداؤها واعداء هذا الوطن وبعد ان جنح بعض من اقتحم الساحة الصحفية من امتهن النعي على الوطن والدولة والشعب والطعن في القيم والمثل والتعدي على المصالح والشؤون العامة والخاصة .

ولقد جاء القانون المؤقت ذاك ، لا لتقييد الحريات وتكميم الافواه ، ولا للانتقاص من اي انجاز حقيقي للقانون السابق ، وانما لتنظيم قطاع الصحافة وهو من الدولة وللدولة ومن الشعب وللشعب وتحديد ما لذلك القطاع من حقوق وما عليه من التزامات .

ولان القضاء النزيه المتفهم للمتغيرات والمتفاعل مع العصر في مقدمة الثوابت التى تقوم عليها دولة القانون والمؤسسات فلسوف تواصل حكومتي جهودها للنهوض بالقضاء تشريعات ومؤسسات ،وفق خطة تضمن للهيئات القضائية العمل في ظل افضل الظروف واحسن الامكانات .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

اما قواتنا المسلحة -مؤسستنا العسكرية الباسلة - فلسوف تبقى ، كما كانت على الدوام ، عنوان عزة وفخار يعلو هامة الوطن ويرفع رؤوس المواطنين . لقد كانت قواتنا تلك رفيقة الدرب على كل قمم المجد التي بلغها بلدنا عبر مسيرته الطويلة . وكان لها مع مؤسساتنا الامنية الامينة الدور المميز في حماية الوطن والمواطن ، وحفظ سلامة وأمن المجتمع . وكانت معها ، وبوعيها الوطني ، وانتمائها الصادق، وولائها المكين ، نموذجا للكفاءة والانضباط ومثالا للخلق الرفيع والسلوكالنبيل ، في المنطقة وفي الدنيا بأسرها . ولم يقتصر الدور الكبير على الساحة الوطنية وانما تعداها الى الساحات الدولية المختلفة حيث ساهمت في حفظ السلام الدولي في العديد من الاماكن والبلدان فكانت خير رسول للاخلاق العربية والصفات والمزايا الاردنية الرفيعة . ولسوف تواصل حكومتي ، وبتوجيه مباشر مني ، وبكل الدعم الذي تستحقه بجدارة ، القيام بواجبها تجاه المؤسستين الغاليتين وتوفير الامكانات اللازمة لتطوير القدرات وتنمية الكفاءات في اطار من التوازن الامثل بين سني الخدمة واعباء التأهيل وادارة الموارد تمكينا لهما من الاستمرار في اداء الرسالة على الصعيد الوطني وعلى كل صعيد .

كما ستواصل حكومتي اهتمامها بمؤسسة المتقاعدين العسكريين لمضاعفة قدراتها على التوسع في نشاطاتها الهامة والتنوع في خدماتها الاساسية تحقيقا للاهداف الاقتصادية والاجتماعية التي قامت من اجلها ، ووفاء للجهود الكبيرة والمشرفة التى قدمها اعضاؤها في خدمة بلدهم الغالي على مر السنين .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

ما كان السلام يوما ،الاخيارا استراتيجيا لنا ولاشقائنا في الوطن العربي الكبير ،لكننا في الاردن اردناه ونريده سلاما شاملا دائما ، قائما على الحق والعدل ، مستندا الى الشرعية والمواثيق والالتزامات الدولية . والسلام ، بهذا المفهوم ، ليس خيارا اردنيا ، فحسب ، وانما هو ايضا خيار لسائر الاطراف . خيار للشعوب مثلما نرجو ان يكون خيارا للقادة سواء بسواء . ولئن أصاب مسيرة السلام بعض التعثر في الاونة الاخيرة نتيجة التعنت والعناد من جانب الحكم في اسرائيل فاننا نؤمن بأن اصرار الشعوب على خيار السلام سوف ينتصر في النهاية على سائر العقبات حتى تنعم المنطقة بأسرها بما تتطلع اليه من تقدم وازدهار .

ولئن كنا ، على اختلاف المراحل والعهود قد قدمنا للسلطة الفلسطينية كل العون الاخوي الصادق فاننا ، وفي هذه المرحلة بالذات ، وفي سائر المراحل المقبلة سنستمر في دعمنا لاشقائنا في تلك السلطة ، بما يضمن للشعب الفلسطيني الوصول الى حقوقه المشروعة واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس .

وكما هو شأننا على الدوام ، فقد استمر حرصنا على التنسيق المتواصل مع اشقائنا في الوطن العربي وبخاصة مع الشقيقة الكبرى مصر خدمة لمسيرة السلام على المسارات الفلسطينية والسورية والبنانية على وجه الخصوص .

ولان التعاون والتنسيق مع الاشقاء العرب احد الركائز الاساسية للاردن فكرا ونهجا وممارسة ، فلقد بذلت جهود كبيرة في هذا الاتجاه ، من خلال اللقاءات المباشرة مع القادة والمسؤولين في الدول العربية . كذلك من خلال تفعيل الاتفاقيات واللجان المشتركة والالتزام بالقرارات العربية المختلفة .

وقد ظلت معاناة الشعب العراقي الشقيق تؤرقنا وتؤرق معنا الكثيرين في هذا العالم.ومن هنا فاننا نقف بكل امكاناتنا مع رفع تلك المعاناة عن اهلنا في اطار الحرص والمحافظة على وحدة التراب الوطني للقطر الشقيق .

ان الموقف العربي ، في هذه المرحلة بالذات ، من مراحل التاريخ العربي المعاصر ، وربما في سائر المراحل اللاحقة يحتاج الى الكثير من التواصل والتفاهم ان لم يكن يحتاج الى كل التفاهم والتواصل . وهو يفتقر الى الصفاء والصدق في التعامل وبناء العلاقة ربما اكثر مما كان يفتقر اليهما في اي وقت من الاوقات . وهو بالتأكيد ، وفي ضوء مقتضيات المصلحة العربية الحقيقية ، يفتقر الى الخروج من دوامة التجريح وصيغ الاتهام والادانه ، واللجوء الى منطق العقل والحكمة واسلوب بناء الصداقات والعلاقات الايجابية المثمرة .

وفي موضوع اسرائيل بالذات ينبغي التمييز بين موقف الحكم وموقف الشعب والكف عن خدمة الموقف الاسرائيلي الحالي باتباع اساليبنا القديمة البالية . ونحن بذلك اما ان نكسب فيكون الكسب من صنعنا او نخسر فيكون الخسران من صنعنا كذلك . لقد شبعت الامة من اساليب التجريح لهذه الجهة او تلك وآن لبعض ابنائها ورجالها ان يبلغوا سن الرشد وان يتقوا الله في امر شعبهم ومصير امتهم لا سيما في هذا الزمان ، زمان الاتحادات والاتفاقات والتكتلات .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

لقد تابعت حكومتي الجهود المبذولة في المجال الاقتصادي والمالي حيث تم استكمال الجانب الاكبر من التشريعات والتنظيمات الرئيسية ، ولا سيما تلك التى تستهدف تحرير الاقتصاد الوطني من القيود الادارية ووضع برنامج مدروس للخصخصة والانضمام لمنظمة التجارة الدولية والشراكة الاوروبية والعمل على انشاء منطقة التجارة العربية الحرة .

وتابعت الحكومة جهودها في مجالات التنمية الصناعية وزيادة الصادرات وتطوير المناطق الحرة والمشاريع الكبرى المشتركة وتحويل العقبة الى منطقة تجارة حرة جاذبة للاستثمار .

واستمرت حكومتي في تطبيق برامج التصحيح الاقتصادي مما ساعد على تصاعد في معدلات النمو واحتياطي العملات الصعبة وكذلك المحافظة على الاستقرار النقدي . كما تابعت تطوير حزمة الامان الاجتماعي وايجاد فرص عمل للقوى العاملة الاردنية محليا وفي الدول الشقيقة والصديقة .

لقد كان للقطاع الخاص دوره الرئيس دائما في بناء بلدنا وخدمة اقتصادنا الوطني . وكان رأس المال الوطني واحدا من عناوين الفخار في أردننا العزيز . ولان دور هذا القطاع الهام آخذ بالتنامي والتعاظم باستمرار ، فان الحكومة ستستمر في كل الاجرءات التى تستهدف تعزيز ذلك الدور وذلك في اطار من التعاون التم والجهد المشترك مع ذلك القطاع . كذلك قطعت الحكومة اشواطا مدروسة وحثيثة في اعادة هيكلة القطاع العام مثل النقل والاتصالات والطاقة بغية رفع كفاءته وتطوير انتاجيته .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

لقد اصبح دور المرأة اليوم اكثر اهمية وخطورة مما كان في اي من المراحل السابقة . فقد تفوقت المرأة الاردنية في مجال التربية والتعليم وبرزت نجاحاتها في المهن المختلفة ومساهماتها الباهرة في المنظمات المتعددة . وقويت مساندتها للجهود الرسمية في خدمة المجتمع وانعاش الريف وتطويره .

كما انها بدأت في المشاركة في الحياة السياسية بحيث باتت دعامة هامة من دعامات التطوير الديمقراطي . ومن هنا يتوجب علينا ، في سائر المواقع في اردننا العزيز ان ننظر باهتمام بالغ الى بعض الظواهر الخطيرة التى لا تزال مصدر معاناة للمرأة ، والتى تجعلها ، بكا اسف ، عرضة لانتهاكات غير انسانية لحقوقها الاساسية . ولعل العنف الذي عالجته المؤتمرات الدولية المختلفة ، سواء منه الظاهر والخفي هو اهم تلك الظواهر واخطرها . فهو لا يليق بمجتمع التكافل الذي هو مجتمعنا العربي الاسلامي ، كما انه يتناقض بشكل فاضح مع دعوتنا المستمرة الى الحفاظ على الكرامة الانسانية وسائرحقوق الانسان .

اما قطاع الطفولة .. فبالرغم من كل الجهود المباركة التى بذلت لتحسين وتطوير احواله ، فما زالت هناك ممارسات سلبية ضارة ومخزية ينبغي علينا جميعا التصدي لها بفاعلية وعزم واصرار . فالطفل هو الآخر لا يزال ضحية اشكال متعددة من العنف سواء في العائلة او في المجتمع . فهو في الاولى ضحية بحجة التأديب والتربية ، وهو في الثانية ضحية بسبب التشرد والاستغلال . وان نظرة لبعض الحالات هنا وهناك تدلنا على تزايد اعداد ابنائنا اطفال الشوارع المتسولين او الذي يجري استغلالهم في عمليات بيع مختلفة كل ذلك ، يؤدي بالعديد من فلذات الاكباد هؤلاء الى مهاوي الانحراف والسقوط وينتهي بهم الى اعماق الفقر والتشرد . ومن هنا فان حكومتي ، وبالتعاون مع مجلسكم الكريم ، سوف تسشرف هذه المخاطر لمحاربتها والارتقاء بمجتمعنا الى ما نطمح اليه من مستويات .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

لقد عملت حكومتي على ان تعكس موازنة 1998 توجهاتنا المستقبلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية . كما ان الموازنة سوف تولي الاهتمام الكافي . بمشاريع الاسكان الوظيفي وصناديق التنمية ومشاريع السياحة المختلفة اضافة الى التوسع في برامج التأهيل والتدريب وزيادة الحوافز الاستثمارية في المحافظات . وان الحكومة وهي تضع الخطة الاقتصادية الاجتماعية الخمسية للاعوام 1998 -وحتة 2002 بدعم مني وباشراف اخي وولي عهدي وقرة عيني سمو الامير الحسن لتضع في اعتبارها ان الادارة الاستراتيجية الناجعة للموارد ستكون الاساس الذي تقوم عليه تلك الخطة والبرامج المنبثقة عنها . ولسوف تعطى المحافظات في الخطة ابعادا تنموية واقتصادية متميزة كما ستكون الرعاية الصحية بما فيها التأمين الصحي العام عنصرا رئيسيا فيها .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

لقد بات القرن الجديد ، الحادي والعشرون على الابواب . لئن كانت رحلتنا عبر العقود الماضية من القرن العشرين محفوفة بالكثير من الصعاب والتحديات ، فهي قد كانت ايضا حافلة بالعديد من الانجازات والانتصارات بحمد الله . ومثلما كان الانسان عدتنا الاولى والرئيسية في تلك الرحلة الشاقة الطويلة ، فان ذلك الانسان سيظل ابدا عدتنا لاجتياز المراحل المقبلة ووسيلتنا لبلوغ المزيد من الظفر والنجاح . ولعل اهم مداخلنا لبوابات القرن الجديد وحدتنا الوطنية الصلبة والتى تقوم على التعاون والتآخي في اطار دولة حديثة ناهضة اركانها المؤسسات المستقرة ومرجعيتها الدستور والقانون والميثاق الوطني ، ونهجها الديمقراطية والتعددية والحرية والمسؤولة وامن وكرامة الانسان . وهي وحدة تسعى لبناء مجتمع عصري متين ، محافظ على شخصيته الوطنية وهويته العربية ، مقبل على العمل ومتفاعل مع العالم بانفتاح .

ويأتي العلم والتكنولوجيا مدخلا آخر للقرن الجديد . فاقتصاد المستقبل كله هو اقتصاد المدخلات العلمية والتكنولوجية . والبحث العلمي والتكنولوجي هو القوة الدافعة لتحقيق اعلى درجات التفوق والانجاز . وعلينا ان نعمل على رفع مستويات المراكز البحثية لكي نقترب من مستويات الدول المتقدمة بعون الله .

ان التعليم والثقافة هما احد المداخل الرئيسية للقرن الجديد وغيره من القرون . وهما السبيل الامثل لحياة مثلى للفرد والشعب . ومن هنا تشتد الحاجة الى مراجعة البرامج الحالية في الثقافة والتعليم بغية الوصول بها الى المستوى اللائق بدولة عصرية . وان لنا من الثقة بأنفسنا وارتباطنا بجذورنا ، واصالة ثقافتنا ، وانسانية قيمنا الوطنية والقومية والدينية ما يحصننا امام هبوب الرياح . فالهوية تصغر وتتلاشى مع الانغلاق ، والشخصية تضمحل وتتشوه مع نضوب الفكر وجمود العقل والثقافة مع الجمود هي التى تصدأ وتضيع . وستظل صورة الاسلام المشرقة ، بقيمه ، واعتداله ووسطيته ، وحرصه على كرامة الانسان ، وانشائه لمفاهيم الشورى والحوار ، محل زهونا وفخارنا ، وسبيلنا لاقناع الدنيا بأننا عربا ومسلمين ، بعيدون عن التعصب ، محبون للسلام والتقدم ، وشركاء حقيقيون في صنع الحضارة الانسانية .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

ان دعوتنا الحارة هي الى الارتقاء بمفهوم الدولة وتدعيم هذا المفهوم وترسيخه واعلاء صرحه المنيع . فمسارب الحكم وميادينه وساحاته المختلفة تنمو وتتكاثر ، وترقى وتزدهر لتنتهي كلها بعضا من كيان الدولة وبنيانها العتيد .

ويتعانق كل ذلك بشوق وفرح ويختلط بكبرياء مع عرق الشعب وكفاحه وبذله وعطائه ، ليكون للدولة من ذلك كله زهوها ومجدها، وللانسان الاردني فوق هذه الارض ، وفوق كل ارض كرامته الذاتيه ، وكبريائه الوطني .

وسيظل من اهم الواجبات واقدسها ، حماية مفهوم الشعب من الترهل والتردي ، ونبذ كل ما يتعارض معه من انماط الممارسة ونماذج السلوك . ان الجغرافيا الوحيدة التي ينبغي ان تتحكم وتحك ، وتقرر الاتجاه ، هي الجغرافيا الوطنية .. جغرافيا الوطن الواحد ، والشعب الواحد والدولة الواحدة . فالاردن هو الوطن ، وأهله هم الشعب ،والحكم بكل سلطاته وعناصره وقواه ، هو الدولة .

حضرات الاعيان ،
حضرات النواب ،

ابرك لكم الثقة بكم ، وادعوكم الى تحمل مسؤولياتكم ، ممثلين لشعب بأسره وليس لمنطقة بعينها . وطنيين شرفاء تحفظون العهد ، وتتبعون الحق . امركم شورى بينكم ، ملتزمين بالدستور ، تحترمون القانون والميثاق ، حتى يدخل الاردن معكم وبكم القرن القادم الجديد .. قويا واثقا ، كما اراده الله ، وكما نتمناه ان يكون .

" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون "
صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،