مجلس الأمة
نسخة للطباعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمـد لله رب العالمين، والصلاة والسـلام علــى رسوله الأميـن، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم ،

 حفظكم الله ورعاكم

 

 

السلام عليكم، ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،،

 

فإن مجلس الأعيان يتشرف بأن يرفع إلى مقامكم السامي صادق الشكر وعميق الامتنان لتفضلكم بافتتاح الدورة الأولى لمجلس الأمة السابع عشر، وإلقاء خطبة العرش، التي عبّرت بوضوح وجلاء عن نبض الشارع الأردني، وحاجات الأردنيين ومطالبهم وآمالهم وطموحاتهم. فكانت بحق خارطة طريق للأردنيين جميعاً، للنهوض بالأردن، والسير به في معارج الرقي والتقدم والتنمية المستدامة، في كل مناحي الحياة. وإننا إذ نسجل تقديرنا العميق لهذه الرؤى الإصلاحية، فإننا نرى في ذلك كله، ملامح واضحة لمرحلة جديدة على طريق الإصلاح الشامل، يتفتح فيها الربيع الأردني، حتى يصير روضة يانعة في زمن التحولات العربية.

 

 

صاحب الجلالة ،،،

إن انتخاب مجلس النواب السابع عشر، يمثل محطة رئيسية من محطات البناء الديمقراطي والإصلاح الشامل، ويجسد حقيقة أن الأمة هي حقاً مصدر السلطات. وحين تطلقون نداءكم في الخطبة نفسها إلى ثورة بيضاء، فإن فهمنا في مجلس الأعيان أنكم تختارون أن ندخل جميعاً، معترك الإصلاح الحقيقي المستدام: شعباً يعي دوره، ويرسخ انتماءه، ويعتز بهويته، ويحمي وحدته الوطنية، بإرادة صلبة لا تلين، ومؤسسات تتحرر من الجمود وسائر أشكال الضعف والتعثر. إنها معركة تنتصر فيها النزاهة على الفساد، والعدل على الظلم، والحرية على الاستبداد والانغلاق والتطرف. وليس أمرا عجيباً أن يكون ذلك كله في المملكة الأردنية الهاشمية. فنحن منذ تسعين سنة نواجه التحديات باسم الأمة، ونحفظ روح ثورتها الكبرى وتراثها، وندافع عن حق أبنائها في الحياة والعلم. وليس أمراً عجيبا يا صاحب الجلالة، أن نرى الشعب يحتشد حول هذه الرؤى الإصلاحية، ويختار معكم شعار الكرامة والعدل والمساواة للمرحلة القادمة، ويعْبر على جمر التحولات الإقليمية والأزمات العالمية.

ولا بد أن نسعى إلى تجديد الدولة لضمان حياة كريمة لشعبنا، فالأردن يستحق منا كل تضحية. ونحن إذ نؤكد على أن الحياة النيابية، ستظل الركن الأساسي والأول في نظام الحكم الملكي الوراثي المستند إلى الدستور، لنعتز بإسلامنا السمح، وعروبتنا الصافية، وإرادتنا العالية، وحضورنا في المشهد الإنساني. فليس على أيدينا دم أحد من أهلنا، بل عليها إشراقات قيمهم الطيبة، في التسامح والمروءة والعفو والأخوة الصافية، صفاء أرواح الذين صعدوا شهداء من أهلنا، في مؤتة وكربلاء والقدس والكرامة . وسنظل نحن القلعة التي يستند إلى صلابتها أهلنا في فلسطين .

صاحب الجلالة ،،،

لقد بدأت مسيرة الأردن الحديث بقيادة الآباء والأجداد من آل هاشم، وبسواعد آبائنا وأجدادنا منذ اكثر من تسعين عاماً، متمثلّة في مؤسسات وطنية لم تتوقف يوماً عن عملية التطوير والتحديث، ولم يتطرق إليها اليأس، بالرغم من الصعاب والعثرات التي كانت ومازالت تعترض مسيرة هذا الوطن، طوال تلك العقود. ذلك أن نهضتنا كانت متدرجة وواعية وواثقة في شتى الميادين. ومنذ عام ونيف، تمت إصلاحات دستورية سارت بنا أشواطاً على طريق تحقيق نهج الإصلاح، وعززت مبدأ الفصل بين السلطات، ومنعت أياً منها من التغوّل على الأخرى، وأكدت على استقلال القضاء، واحترام حقوق الإنسان، وإشاعة العدل والمساواة بين أفراد المجتمع الأردني قاطبة.

صاحب الجلالة ،،،

لا شك في أن تشكيل الكتل في مجلس النواب بصورة مؤسسية، سيكون منطلقا لبناء أحزاب وطنية فاعلة، ويسهم في الإسراع بتشكيل حكومات حزبية تمثل توافق الأغلبية، كما يسهم في انبثاق ائتلاف برلماني معارض، يمارس دوره المهم في الرقابة والمساءلة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك على الوجه الأمثل إلا بالحوار الوطني المسؤول، وقناعات الأغلبية، والتواصل مع فئات المجتمع المحلي والقوى السياسية المختلفة، ليكون الجميع مشاركين في صناعة القرار.

وعليه، فقد أصبح من الضروري مراجعة قانون الانتخاب الحالي، وتقييم التجربة الانتخابية التي تمت بناءً عليه، واستخلاص العبر، ليسهم في تطوير الحياة السياسية نحو الأفضل، وليعزز عدالة التمثيل بين الأردنيين جميعاً، ويؤدي إلى تطوير الحياة الحزبية، ويرسخ مبدأ التعددية والحكومات الحزبية.

 

كما أن بناء استراتيجيات وخطط تنفيذية لنهج عمل حكومي جديد، يجب أن يتم بالتشاور مع القواعد صعوداً إلى أعلى، وهو ما يستدعي قيام الحكومة بمهامها بشفافية وانفتاح، جاعلة من العمل الميداني نهجاً ثابتا ليتحقق التواصل المباشر بينها وبين المواطنين جميعاً. وعليها كذلك، أن تلتزم بتطبيق المؤسسية في أعمالها كافة، وخاصة في تطوير القطاع العام. وأن تضع في مقدمة أولوياتها، أنها بصدد ثورة بيضاء تتطلب الجرأة في تشخيص الأخطاء وتوصيفها ومعالجتها للنهوض بالأداء الحكومي، وتحمّل أعباء المسؤولية في كل ما يتعلق بمهامها التنفيذية. ونحن إذ نؤكد ونركز على أهمية الإصلاح السياسي، فانه واجب علينا أيضاً، أن نسعى إلى تحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي بنفس الإرادة والعزيمة والنهج، حيث يشهد المواطن تآكلاً في دخله، وتراجعاً في فرص العمل المتاحة، وعليه، فلا بد من توزيعٍ عادل لمكتسبات التنمية بين الجميع، وخاصة المناطق النائية والأقل حظاً، بما يحقق الأمن الاقتصادي للوطن والمواطن.

صاحب الجلالة ،،،

إن الشراكة والتكامل بين القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني والمجالس البلدية، يمثلان النهج الأقوم، والأسلوب الأصوب للنهوض بالمجتمع. ولكل من هذين القطاعين ومؤسسات المجتمع المدني، دوره في عمليات التحفيز والتنظيم والمراقبة وحماية المستهلك، وإعداد البيئة الملائمة للعمل والمبادرات الخلاّقة، وتوفير فرص العمل والاستثمار والريادة وتشجيع الأعمال التطوعية وتطويرها. كل ذلك يؤكد على ضرورة التركيز على تنمية المحافظات، واستثارة همم الشباب وطاقاتهم في المجتمعات المحلية، للمشاركة في صناعة القرار، فقد طال انتظارهم لتحقيق الشعارات التي ترفعها الحكومات بهذا الشأن. كما لا بد من التأكيد على الدور المنوط بصندوق تنمية المحافظات، باعتبار أن له دوراً مسانداً لتحقيق الأهداف والخطط التنموية، التي يتم الاتفاق عليها.

صاحب الجلالة ،،،،

إن مجلس الأعيان يشرّفه أن يعبّر عن اعتزازه وفخره، بتأكيد جلالتكم على أن الأردن قادر على مواجهة جميع التحديات الخارجية، وإن قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية بالمرصاد، لكل من يحاول العبث بأمن الوطن وسيادته، مما يستدعي دعمها وإسنادها. كما يؤكد المجلس اعتزازه بوحدتنا الوطنية، ونسيجنا الاجتماعي الكفيل بأن يقف سداً منيعاً في وجه التحديات، ولن نسمح لقوى الشد العكسي أن تؤثر على مسيرة وطننا الصاعدة بإذن الله .

وقد تجلّى دور الأردن الإيجابي المتميز، في سائر القضايا الإقليمية والدولية، وخاصة القضية الفلسطينية، حيث لا زلتم جلالتكم تؤكدون في كل مناسبة، على دعم الأشقاء الفلسطينيين في استعادة حقوقهم التاريخية والوطنية في أرضهم وفي مقدمتها حق العودة، وبناء دولتهم المستقلة على ترابهم الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشريف، والوقوف بحزم وتصميم، في وجه أي محاولات أو آراء من أي جهة تحاول العبث بمصير أو مستقبل الدولة الفلسطينية المستقلة، أو بالهوية الفلسطينية.

صاحب الجلالة ،،،

إن النهج الذي رسمتموه لنا في خطبة العرش، يمثل خارطة عمل متكامل في السير الحثيث نحو استكمال البناء الديمقراطي، وهو نهج إصلاحي شامل يحتاج إلى أدوات تنفيذية فاعلة، وإلى تطابق القول مع الفعل، لتتكامل وتتمازج فيه سائر مكونات مجتمعنا الأردني، حكومة ومجلس أمة ومواطنين، بصورة واعية واضحة ملتزمة بمصلحة الأردن أولاً وآخراً، تحت مظلة الدستور، وبإسناد من قضاء عادل، وإعلام مهني مسؤول، وهذا النهج غير قابل للالتفاف عليه أو المساس به. وكل ذلك يؤكد عزم جلالتكم وإصراركم ونحن معكم، على مواصلة عملية الإصلاح والتحديث لكل مناحي حياتنا، حتى نصل بالأردن إلى مصاف الدول المتقدمة في شتى مجالات الحياة المعاصرة .

 

حفظكــــم الله ورعاكـــــــــم، وأعـــزّ ملككـــــــــــــم

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته